استعادة أملاك العراقيين المسيحيين المغتصبة: حلقة الحقيقة المفقودة

عبد الكريم صباح البياتي

 

كان من الأحداث المهمة التي ينبغي الوقوف عندها خلال الأسبوعين الماضيين، هو إعلان نائب رئيس البرلمان العراقي، حاكم الزاملي وهو قيادي في التيار الصدري وأحد الأعضاء الناشطين في مليشيا جيش المهدي، إعادة أكثر من 120 منزلا ومتجرا وأرضا لأصحابها الشرعيين من العراقيين المسيحيين
الإعلان الذي كان يفترض أن يصدر عن محكمة كإجراء قضائي، أو من خلال وزارة الداخلية التي تمتلك السلطة التنفيذية الأولى في البلاد، جاء على لسان الزاملي الذي لم يفته التأكيد بأن اللجنة شكلها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، تذكيرا بأنها لجنة غير حكومية، متحدثا عن وجود أعداد كبيرة من ممتلكات المسيحيين في بغداد والبصرة وميسان وبابل ونينوى ما زالت تستولي عليها من وصفها خلال مؤتمر صحافي ببغداد بـ”الجماعات الخارجة عن القانون”، وهو مصطلح تستخدمه القوى السياسية في إشارة إلى المليشيات الحليفة لطهران.

الأغرب لم يأت بعد، حيث تشير المعلومات المتحصلة بأن غالبية المنازل والعمارات التجارية، تم الاستيلاء عليها في فترة حكومة نوري المالكي الأولى والثانية، بين عامي 2006 و2014، وكانت عبر طرق مختلفة منها تهديدات وضغوط أجبرتهم على بيعها أو تزوير أوراق وتلاعب بتورط موظفين حكوميين وقع ضحيتها عراقيين مسيحيين مهاجرين خارج البلاد
هل انتهى فصل الغرائب؟ على الإطلاق، إذ أن عمارة تجارية من ثلاثة أدوار في منطقة كرادة مريم، وتعود للعراقي المسيحي صباح بطرس، تم الاستيلاء عليها من شقيق صهر نوري المالكي نفسه، ويدعى أبو حيدر المالكي.
بطرس الذي توفي عام 2011 وهو يحاول استعادة تعب سنوات حياته دون أن يحصل عليها، ودفن في الأردن حيث كان بانتظار إجراءات الأمم المتحدة للحصول على وطن بديل

على غرار مكونات عراقية كثيرة وقع عليهم حيف التغيير الديموغرافي، والذي نفذته مليشيات مسلحة مدعومة من طهران، كما في يثرب والعوجة والعويسات وجرف الصخر ومناطق شمال شرقي ديالى وصولا إلى أحياء بغداد العاصمة وضواحيها، وجد العراقيون المسيحيون أنفسهم في حلقة استهداف كبيرة ومرعبة، لم يكن لهم غير محاولة تقليل الضرر والتفكير بالسفر، وهو ما كانت تدركه المليشيات في عمليات التضييق تلك التي انتهت باغتصاب منازلهم وممتلكاتهم
إن ممتلكات المسيحيين والصابئة وكل الأقليات الأخرى التي نهبت بعد الاحتلال الأميركي للعراق، لم تكن عبارة عن منازل ومتاجر، بل تعدى إلى عمليات استيلاء على كنائس وأديرة في مواقع مميزة من بغداد، ونستذكر هنا مندائية الصائبة في الجادرية على نهر دجلة، وكنيسة عقد النصارى، وكنيسة الأرمن في بغداد الجديدة.

نعود للسؤال نفسه، أين القضاء العراقي وأين دور الأجهزة الأمنية إن كانت أملاك ومقدرات العراقيين تغتصب بقرار من زعماء مليشيات، وتعاد بمبادرة من زعماء دين؟

إن الحقيقة التي يجب أن يتعامل معها جميع العراقيين والتسليم بها هو استحالة بناء دولة مواطنة حقيقية وعادلة ومحترمة ومستقرة بوجود هذا العدد الكبير من المليشيات التي تتحرك بأوامر من إيران ولا تعترف بما سواها إن تقاطع ذلك معها

أخيرا آمل أن تكون هناك لجنة مماثلة لإعادة أهالي 11 بلدة وقصبة ومدينة منزوعة السكان بأمر نفس المليشيات التي تستولي على أملاك وعقارات المسيحيين، حيث يقضي أكثر من مليون عراقي أغلبهم نساء وأطفال عامهم السابع في المخيمات بينما مناطقهم مغتصبة وخارجة عن سيطرة الدولة.