في ضوء اتصال تليفوني من صديق عراقي مقيم في أستراليا

بقلم: أحمد الحبوبي

 

والعالم حابس أنفاسه مشغول ومأخوذ ومتخوف من تداعيات وتصاعد وملابسات الحرب الروسية الأوكرانية وما قد تجره على البشرية من دمار شامل في ظل الأسلحة النووية لا سمح الله.. اتصل بي صديقي العراقي المقيم في استراليا منذ سنوات طويله صارخا بأعلى صوته عبر التليفون “هاي شنو سيدنا شايف اشديسوون هذولة الزعاطيط” (وحسبته يقصد الطرفين المتحاربين)، ولكنه أستمر “يعني يصير أكثر من 5 شهور عندما جرت انتخابات المجلس النيابي والجماعة مشغولين بالكتلة الكبيرة.. وحكومة أغلبية أو حكومة توافقيه.. ولا رئيس جمهوريه ولا رئيس وزراء والميليشيات تسرح وتمرح وتغتال في ظل حكومة ما يسمى حكومة تصريف الأعمال.
أنت راضي سيدنا؟؟ اشو دشوفك ساكت!
هذولة وين رايحين ما يشوفون العالم وهو في حالة رعب من الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها .. بالله عليك سيدنا هذوله مو زعاطيط؟!”
وما أن انهي صديقي كلامه حتى امتدت يدي وبحركة لا إرادية إلى أذني أتحسسها يوم أن اخذتها أصابع يد المرحوم والدي بقرصه شديده موجعه وأنا ابن الخمس سنين أو الستة عندما شاهدني وأنا أدخل البيت بعد جولة لعب مع أطفال محلتنا، يعلوني التراب من راسي حتى أخمص قدمي الحافيتين فراح يؤنبني وأُذُني بين أصابعه “أعگل ولد لا تظل زعطوط” والزعطوط وجمعها زعاطيط وقد يكون مصدرها ‘زعططه’ لم أجد لها في القاموس مكاناً. وهي كلمه تطلق على الطفل غير المميز وقد يسمى احيانا ‘الجاهل’ وجمعها ‘جهال’.
وكلمة زعطوط وزعاطيط متناوله في مدينة النجف، ولا أدري إن كانت معروفة في بقية مدن العراق.
ورحت أفكر في صرخة صديقي من أستراليا عن مجريات الأمور في العراق والتي دفعته إلى الإتصال بي والصراخ في وجهي. ولم أتفق مع وصفة “الزعاطيط” التي أطلقها. فالزعطوط عادة غير مدرك ولا يميز فعله، أو سلوكه، أو تصرفه، أو قوله، أو تعامله لصغر سنه.
وإن كانت كلمة زعطوط تطلق أحياناً على الرجل الكبير إذا ما صدر منه قول أو فعل أو تصرف غير لائق وغير طبيعي وغير مألوف فيوصف “هذا رجل زعطوط” يتصرف كالأطفال الزعاطيط …. أنا اختلف مع صديقي الأسترالي في وصفه “الزعاطيط” كما قلت.. فأمريكا عندما احتلت العراق سنه 2003 لم تسلم الحكم إلى “زعاطيط” فهي تعرف كيف تختار وعلى من تعتمد، وكذا الدول قديماً وحديثاً لا تختار عملاءها من الزعاطيط في رعاية مصالحها وتنفيذ مخططاتها.
وبالنسبة لما جرى ويجري في العراق منذ الاحتلال الأمريكي حتى الآن، أقول لا يمكنني أن أسمى من يقدر ويتمكن من تهريب مليارات الدولارات إلى خارج العراق ب “زعطوط”، وكذا ليس زعطوطاً من يعقد صفقات وعمليات وهميه بمليارات الدولارات أيضاً، وليس زعطوطاً من يحسن التعامل بالسلاح وأدوات الفتك والتلاعب بالأمن، وليس زعطوطاً من يتصدى للمعارضة، والمتظاهرين بأساليب، وحشيه مبتكرة، ومتقدمة. ليس زعطوطاً من استطاع أن يحتفظ بمكانه ومكانته وسلطته وسطوته وفساده وإفساده وتلاعبه واللاعيبه وخداعه وخديعته طوال هذه المدة، وهو قادر ومتمكن أن يلبس لكل حال لبوسها.
نعم ليسوا زعاطيط أخي الأسترالي، وقد ذكرت الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها وأثرها على العراق جراء رفع الأسعار والاعيب التجار واختفاء الموارد الغذائية وهبوط قيمه الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، في ظل حكومة عاجزه، وساسة متناحرين، ومواطن مسحوق، ووطن مستباح.
ولكن الزعطوط الحقيقي هو من آمن بهؤلاء، ومازال يصدق قولهم ويبارك أعمالهم.
ولكن الشعب العراقي أدرك كنه هؤلاء، ولله الحمد مبكرا، وشخص هوياتهم وكشف الاعيبهم وعمل على إسقاطهم.
ليسوا زعاطيط ولكنهم أحياناً “يتزعططون” من خلال القيام بتمثيليات أو مسرحيات سمجة هنا وهناك، سيئة النص والتمثيل والإخراج، مكشوفة الهزال ذراً للرماد في العيون.. كالمسرحية التي كان بطلها نائب السن بافتعاله المرض والإغماء ونقله إلى المستشفى أثناء انتخاب رئيس المجلس ونائبيه.. ثم تظهر صورته وهو يضحك وحوله شركاؤه يتضاحكون أيضاً.. وغيرها كثيراً.
المحصلة أيها الصديق الأسترالي أن الشعب العراقي واعي جيداً لأساليب والاعيب هذه الطغم الفاسدة، المتمسكة بمواقعها ومراكزها ومصالحها ولا تريد أن تتنازل عنها وهي تعلم مغبة انحسار الأضواء عنها وبالتالي ملاحقتها ومحاسبتها.
الشعب العراقي بثورته الوطنية التشرينية أراد حكومة وطنية حقيقية تمثل الإرادة الشعبية الحرة وتعيد النظر بالعملية السياسية برمتها وتحاسب وتلاحق كل الذين تناوبوا على حكم العراق منذ الاحتلال الأمريكي حتى الآن من الفاسدين والمفسدين والسراق والمهربين والمرتشين والقتلة والمتلاعبين بأقوات الشعب ومقدراته… ولا يغريه ولا يرضيه مماحكات ومساومات وتوافقات وتنازلات ومقاسمات ومصالحات… ويا دار ما دخلك شر.. وتعود حليمة إلي عادتها القديمة.
لا وألف لا! فثورة تشرين مستمرة حتى تحقق كل مطالبها المشروعة وأولها إسقاط العملية السياسية الباطلة والفاسدة والفاشلة.
والله من وراء القصد.