قراءة للأزمة الأوكرانية

بقلم الدكتور مزهر الدوري

 

تعيدنا الاحداث المتسارعة بين موسكو وواشنطن الآن بسبب الأزمة الأوكرانية الى عصر الحرب الباردة بين البلدين التي بلغت ذروتها في اكتوبر1962 حيث انزلق العالم الى حافة خطرة جدا كادت تودي لحرب نووية حبس خلالها العالم انفاسه من خطورة حرب مدمرة في عهد الرئيس خروشوف وجون كندي. إلا أن توافقا وتغليبا للغة الحوار بين الجانبين أبعد شبح تلك الحرب، بقرار الاتحاد السوفييتي سحب صواريخه التي نصبها في كوبا.

كما تعيدنا الى الازمة التي نشبت بين روسيا وجورجيا في آب 2008حيث اجتاحت روسيا الاراض الجورجية بما فيها العاصمة (تبليسى) بسبب مطالبة جورجيا موسكو بالانسحاب من القاعدة العسكرية الكبيرة التي اقيمت زمن الاتحاد السوفيتي والتي تم تسليمها للحلف الاطلسي لاحقا مما حدا بروسيا لدعم انفصال ابخازيا الشمالية ودعم انفصال اسيتيا عن جورجيا نهائيا.

اليوم يتجدد نفس الخوف من ازمة تهدد الامن العالمي وكم هائل من تصريحات وتحليلات تبثها شاشات فضائية وتملأ صفحات الصحافة العالمية والمحلية موضوعها ان روسيا تهدد بغزو أوكرانيا، وأن الأخيرة تستنجد بواشنطن والاتحاد الاوربي الذي سرعان ما يقوم برد سريع للمواجهة بخطوات عملية واصبحت الصورة تنذر بالوصول الى حافة المواجهة.
لا أظن أن بوتن وروسيا تغيب عنهما هذه الصورة المرعبة لهذه الصورة.
روسيا تجد نفسها ملزمة بالتحرك لرد اي تهديد لأمنها القومي فمثلا عندما جرت احداث هددت نظام الحكم في كازخستان بالسقوط تحركت موسكو ودون تردد وتدخلت بسرعة فائقة وحسمت الوضع لصالح (الرئيس قاسم توكاييف) دون اعتبار للأعراف والتقاليد الدولية.
الثابت إن ما يدفع روسيا اليوم هو مصالحها أولا وأمنها الاستراتيجي ثانيا لان سياسة الحلف الاطلسي هي تطويق روسيا بقواعد وتواجد دائم في محيطها.

بولونيا مثلا ومنذ خروجها من البيت الشيوعي استندت لعون أطلسي وغربي وهذا ما حدث في أوكرانيا فمنذ تفجرت تظاهرات ثورة البرتقال فيها والتي وقف الغرب الى جانبها فاتت (بيوشنكا) وانهاء حكم (الرئيس يونوكفج) الموالي لروسيا ونصبت الحسناء (نتاليا تمشينكا) الذين سعوا للانضمام الى الاتحاد الاوربي الذي اعطاهم امتيازات الاعضاء دون الانتماء الكامل وسعوا للانضمام الى الحلف الاطلسي منذ العام 2008 ولم يتم ذلك لعدم توفر الشروط في انضمامها قابلته روسيا على مدى هذه السنوات بدعم مؤيديها ودعم انصار روسيا ثم انتزاع شبه جزيرة القرم لدواعي تاريخه واستراتيجية سوقية اضافة لدعم وتأييد اعلان (دونتسك ) و(لوغانس )جهورية شعبية مستقلة من طرف واحد وايدتهما بقوة عسكريه ودعمت المتمردين في اقليم( دونيباس) الانفصالي شرقي اوكرانيا معززة بذلك وجودها في شبه جزيرة القرم الموقع الاستراتيجي لروسيا وللأسطول البحري.

هنالك مساله مهمة ان الشرق الاوكراني أكثر ميلا لروسيا لوجود اعداد من الروس فيه ولروابط تاريخية جراء التداخل بينهم وبين الروس وهنالك تيار مهم في مدن الشرق والعاصمة الأوكرانية.
ماهي اهداف روسيا الاستراتيجية في محيطها الجيوسياسي:
منع تواجد قوات حلف الاطلسي او نصب اسلحة إستراتيجية في اوكرانيا تهدد امن روسيا كما انها تعرض انضمام اوكرانيا لحلف الاطلسي الذي سيمكن دول الحلف من دخول قواته اليها بشرعية بكل سهولة
فالغاية ان تبعد الحلف الاطلسي عنها او تسليحها بأسلحة تهدد روسيا وتسعى ايضا للحفاظ على الوضع القائم في شرق اوكرانيا في الجمهوريتين المستقلة من طرف واحد التي حسدت اوكرانيا تجاههما أكثر من مائة ألف جندي تدفقت عليهم اسلحة متطورة جدا كما ان روسيا تسعى للتأثير على الوضع الداخلي الهش والتدهور الاقتصادي الذي يضرب اوكرانيا.

لماذا هذا التوقيت؟ تقرأ موسكو انسحاب واشنطن من افغانستان بانه هزيمة اظهرت عدم قدرتها على البقاء وفشل اهدافها بعد ما يقارب من عقدين.
تعاظم امكانيات روسية العسكرية عدة وعددا وتطور اسلحتها الاستراتيجية نوعا وكفاءة اصافة الى ان روسيا اليوم ليس روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي اضافة لاستقرار وقوة نظامها السياسي واعتماد قيادة بوتن على القيادة المركزية التي يعدها الغرب دكتاتوريه على غرار القيادات السوفييتية السابقة واخص به خصالا ستالينية.
من جانب اخر تقارب روسي صبني يختلف عن تناقض سوفييتي صيني بعد ان برزت الصين كقوة اقتصادية وعسكرية هائلة جديده مقتدرة يجعل هذا المحور قادر على مواجهة القطبية الوحيدة بجعل روسيا تمضي في تحديها لاستعادة مكانتها المحورية وحيزها الاقليمي.
في تقديري ان الحملة الاعلامية الضخمة واعتبار حشد روسيا قواتها على حدودها مع اوكرانيا هي تحضيرات لاجتياح اوكرانيا وحددت له تاريخ 2022/2/16 وما يليه لبدئه
بينما لا تعد الاجراءات العسكرية ونقل قوات مختلفة واسلحة استراتيجية وتصريحات مضادة لموسكو وتهديد بإجراءات عقابية جماعية على روسيا غير مسبوقة وتحضيرات ومناورات عسكرية مشتركه على أطراف روسيا وتزويد اوكرانيا بأسلحة ومعدات عسكرية متطورة من واشنطن ولندن ودول الحلف الأطلسي، وتجاهل اتفاقية مينسك لحل الازمه لا تعده استفزازا.
في الختام أجد أن الازمة رغم تصاعدها وخطورتا لن تؤدي الى حرب كونية وإذا ما حدث عمل عسكري فسوف يقتصر على اسلحة تقليدية في شرق اوكرانيا سيحسم لصالح روسيا وانصارها في اوكرانيا ولن تتورط اي دول فيها غير أوكرانيا فالجميع غير مستعد للانغماس في هذه الحرب.
هنالك محاولة من واشنطن لاستخدام هذه الازمة لتعزيز مكانتها في اوكرانيا.
ولكن العواقب الكارثية ستكون كبيرة جدا على اوكرانيا وأوروبا فالخوف الرعب الذي اشاعته الحملة الاعلامية جعل الاوكرانيون يعيشون أصعب الظروف رغم التطمينات التي يحاول رئيسها الضعيف والمرتبك ونظامها السياسي المرتبك التي لا جدوى منها
امام التطور المتصاعد للازمة.
ومن جانب فان اثار تصاعد الازمة والتي إذا اندفعت أوروبا مع التوجهات الأميركية والتهديد باتخاذ عقوبات ضد موسكو لن تكون بمنجى عن اثارها سواء في انقطاع النفط والغاز الروسي في هذ الشتاء القارص اضافة الى الخسائر الهائلة التي تلحقها باقتصاد الدول الاوربية اضافة لرعب اوربي من تهديد السلاح الروسي الكارثي.
وخلاصة القول ان حربا كونية لن يتحمل أحد مسؤوليتها ودليل ذلك سرعة ومكوكية قيادات هذه الدول في رحلاتها وزيارات متبادلة والعمل في إطار حل دبلوماسي لذا تؤكد روسيا على الضمانات الطويلة للأمن الاوربي المشترك