قول في ذكرى الوحدة

كَتب الأستاذ أحمد الحبوبي…..

في الثاني والعشرين من شباط/ فبراير 1958، أي قبل 64 عاماً تم الإعلان عن الوحدة بين كل من مصر وسوريا وسميت (الجمهورية العربية المتحدة) التي جاءت بإرادة شعبية حقيقية من كلا البلدين الشقيقين استجاب لها كل من الرئيسين الراحلين، جمال عبد الناصر وشكري القوتلي (رئيس الجمهورية السورية) وأخذ بعدها لقب (المواطن الأول).

استقبلت الجماهير العربية في المشرق والمغرب هذه الوحدة الوليدة بفرحه غامره وترحاب شديد لأنها عبّرت عن رغبة صادقة وأمنية لديها في أن تعود للعرب من خلال هذه البذرة الوحدوية وحدتهم التي كانت يومها قائمة، وشاخصة عبر التاريخ، متعافية، قوية، مترامية الأطراف، مرهوبة الجانب، أغوت (هارون الرشيد) أن يخاطب السحاب الذي يمر في سمائها “حيثما أمطرتِ، فإن مطركِ ينزل في أرضي”
هكذا كانت أمة العرب اتساعاً وقوة ومنعة ورهبة … تكالبت عليها القوى الخارجية الطامعة والطامحة تحبك المؤامرات، وتبذر الخلافات، وتكيل الضربات حتى صيرتها إلى كيانات هزيلة وضعيفة ومستضعفة تحت الاحتلال هنا وهناك.

ولكن وللتاريخ أقول إن الأجيال التي تعاقبت بعدها كانت تتوق وتهفو إلى بعث كيان الوحدة من جديد. ولم تكن الظروف مؤاتيه تعاكس لهذا السبب أو لذاك.
فالأمل بالوحدة كان يراود كل الأجيال المتعاقبة، وأتذكر أنا وجيلي في ثلاثينيات القرن الماضي كنا نقرأ في المدرسة الابتدائية إباّن تحية العلم صباحا نشيدا يقول:
“بلاد العُرب أوطاني.. من الشام لبغدان
ومن نجدٍ إلى يمنٍ.. إلى مصرَ فتطوانِ
فلا حدٌ يباعدنا.. ولا دينٌ يفرقنا
لسان الضاد يجمعنا.. بغسانٍ وعدنانِ”

إن الجمهورية العربية المتحدة قامت في 22 شباط سنة 1958 بعد أن تيسر للعرب قيادة واعية ومؤمنة وقادره تلاقت مع رغبه شعبيه عارمه وضاغطه تمخض عنها قيام هذه الجمهورية الفتية كبذرة لوحده شامله.
وللحقيقة أقول أيضاً أن هذه القيادة كانت ممثله في الرئيس جمال عبد الناصر، قياده واعدة وقوية ومؤمنة، خاض معارك كبيرة في وطنه مصر ومعارك قومية أهمها تصديه للعدوان الثلاثي على مصر سنه 1956 الذي شنته كل من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل وخرج مكللاً بالنصر المؤزر مما ألهب المشاعر القومية في كل الأقطار العربية وأصبح محط أنظار وطموح ليست الشعوب العربية فحسب، بل كل حركات التحرير في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وبقيام هذه الوحدة الوليدة وبقيادة جمال عبد الناصر سلطت السهام عليها ساعة ولادتها من قوى داخليه وخارجيه لاعتقادها أنها خطر يهدد أهدافها ومصالحها ومخططاتها في هذه المنطقة الحيوية من العالم. بدأت في بث وزرع الألغام والمشاكل هنا وهناك في صورة إشاعات وأكاذيب تطلقها داخل الوحدة نفسها تجد لها آذاناً صاغية، والضرب على وتر (الهيمنة) المصرية على الاقتصاد السوري والسيطرة العسكرية المصرية على الجيش، وشراء ذمم عناصر مدنيه وعسكريه لإحداث البلبلة والتهويل من أضرار القرارات الاشتراكية والضجة التي افتعلتها الشركة الخماسية (السورية)، وعدم خبرة المشير (عبد الحكيم عامر) وسهولة السيطرة عليه من قبل عناصر عسكرية سوريه مشبوهة وضع ثقته فيها.. وصولاً الى الانفصال الذي تحقق في ٢٨-٩-١٩٦١.

ولكن ورغم الانفصال ظلت المشاعر الوحدوية متأججة وقوية وفاعلة، ليست في مصر وسوريا والعراق فحسب، بل في كل شعوب الأمة العربية، التي أدانت الانفصال وشجبته.
كما ظلت القوى الشريرة تسعى من أجل منع عودة الوحدة بين القطرين أو الثلاثة (بعد إضافة العراق بعد حركة 8 شباط 1963) فقد طفقت هذه القوى الشريرة تعمل وبسعار على تشويه (الفكر القومي) وتصفه ب “الشوفونية” أو “الفاشستيه” وغيرها من الأوصاف كي تميت المشاعر الوحدوية المتأصلة في ضمائر الشعوب العربية وفشلت في مسعاها.
فالمشاعر الوحدوية متجذره تظهر وتتفاعل وتتناغم مع كل حدث أو مصاب يحل بأي مكان في الوطن العربي. فالقومية العربية وشعاراتها الوحدوية لم تزل قوية ومتفاعلة وستأتي بأكلها يوماً وحتماً بقيام هذه الوحدة المنشودة.
والأمل معقود على أجيال أمتنا في السير قدماً يحملون الشعار بقوة وعزيمة ويعملون على تحقيقه … شعار كانت تصدح به حناجر جماهير الأمة (من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر، لبيك عبد الناصر)
وحدة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تشد أزر الصديق، وترد كيد الكائدين، وتبطل مكر الماكرين.
لا اقول هذا أشراً ولا بطراً، إنما هو إيمان حقيقي وصادق يعتمر في قلوب كل الخيرين من أبناء هذه الأمة المجيدة.
والرحمة مزجاة بمناسبة ذكرى هذه الوحدة إلى أرواح شهداء أمتنا العربية الذين ناضلوا وضحوا من أجلها وعلى رأسهم القائد الخالد جمال عبد الناصر.

والله من وراء القصد